كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


<تنبيه> إن قلت‏:‏ لم عدل المؤلف عن النبي إلى الرسول‏؟‏ قلت‏:‏ لما كان المقام مقام بيان الأحكام وتبليغ الأوامر والنواهي كان حقه أن يذكر فيه وصف الرسالة‏.‏ ثم عقب ذلك بالرسالة‏.‏ ثم عقب ذلك بالإشارة إلى ما يفيد مقصود البعثة ويتفرع على النبوة وهو غايتها فقال ‏(‏المبعوث لرفع‏)‏ أي لأجل إعلاء ‏(‏كلمة الإسلام‏)‏ أي تنفيذ أحكامها من الكلم وهو التأثير، سمي بها اللفظ لأنه يورث في النفس فرحاً وانبساطاً إن كان طيباً وهماً إن لم يكن والمراد بالكلمة الكلام التام أعني كلمة الشهادة أو القرآن كله على ما عليه المتقدمون من عدم الفرق بين الكلمة والكلام، نقله القناوي عن شرح اللب قال‏:‏ وإعلاء كلمته تنفيد أحكامه ‏(‏وتشييدها‏)‏ أي إحكامها ورفع منارها وتوثيق عراها‏.‏ والرفع الإعلاء‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ رفعه فارتفع ورفع فهو رفيع ومن المجاز رفعه على صاحبه في الجنس ويقال للداخل ارتفع أي تقدم ورفعت الرجل سميته والسند ورفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم اهـ‏.‏

قال الراغب‏:‏ الرفع يقال تارة في الأجسام الموضوعة إذا أعليتها عن مقرها وتارة في البناء إذا طولته وتارة في المنزلة إذا شرفتها، أمثلتها كل ما في النصوص والإسلام الخضوع والإنقياد الظاهر لما أخبر به الرسول‏.‏ قال في الكشاف‏:‏ كلما يكون من الإقرار باللسان من غير مؤاطأة القلب فهو إسلام وما واطأ فيه القلب اللسان فهو إيمان ومنه أخذ الدواني قوله‏:‏ الإسلام الكامل الصحيح لا يكون إلا مع الإيمان والإتيان بالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج وقد ينفك الإسلام الظاهر عن الإيمان ‏{‏قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا‏}‏ ويصح أن يكون الشخص مسلماً في ظاهر الشرع ولا يكون مؤمناً حقيقة

‏[‏ص 17‏]‏ والإسلام الحقيقي المقبول عند الله لا ينفك عن الإيمان الحقيقي بخلاف العكس انتهى ‏(‏وخفض‏)‏ أي ولأجل إهانة وإذلال ‏(‏كلمة الكفر‏)‏ من دعوى الند والشريك لله أو الصاحبة أو الولد أو غير ذلك من صنوف الكفر وضروب الضلال ‏(‏وتوهينها‏)‏ أي إضعافها وتحقيرها، والكفر لغة ستر النعمة وأصله الكفر بالفتح أي الستر ومنه سمي الزارع كافراً لستره البذر وقيل الليل كافر لذلك ومنه الكفارة لأنها تكفر الذنب أو تستره ومنه في ليلة كفر النجوم غمامها ومنه المتكفر بسلاحه أي المغطي به بدنه ثم نقل شرعاً إلى عدم الإذعان لما علم مجيء الرسول به ضرورة قولاً أو فعلاً لما فيه من ستر نور الفطرة الأصلية الذي هو بدر الكمال ومحاولته الإبداع بذكر الخفض والرفع لا يحسن هنا إذ لا يليق إلا بكتب النحو والمناسب هنا ذكر المسند والمرسل والصحيح والضعيف والحسن ونحو ذلك من أنواع علوم الحديث‏.‏ ثم لما نعته بعلو الشأن وظهور السطان ووصفه بما هو منشأ كل سعادة وكمال تحرك قلبه إلى إنشاء الصلاة والسلام عليه فقال ‏(‏صلى الله وسلم عليه‏)‏ من الصلاة وهي من الله الرحمة ومنا الدعاء ومن الملك استغفار كذا أثر عن الخبر قال المحقق الدواني‏:‏ ومنها من زعم أنها ثنائية المعنى بالحقيقة نظراً إلى أن الأخيرين يجمعهما طلب الرحمة فإنها لم توضع للقدر المشترك بل تارة لهذا الفرد وتارة لذاك وابن عباس أعرف منا بوضع اللغة ولو صح ذاك أمكن إرجاعه إلى معنى واحد مشترك بين الأمور الثلاثة كالإمداد بالرحمة فلم يكن مشتركاً لفظياً بل معنوياً وكذا جميع الألفاظ المشتركة يمكن جكع معانيها المتعددة في أمر واحد فيبقى المشترك رأساً وهو باطل قطعاً ثم تعلق لفظ على بهما للتضمن معنى النزول وقد أحسن من عبر عن معناه باستنزال الرحمة، إلى هنا كلامه، والسلام التسليم من الآفات المنافية لغاية الكمال وجمع بينهما لكراهة إفراد أحدهما أي لفظاً لا خطأ أو مطلقاً والجملة لإنشاء طلب الرحمة والسلام وإن كانت بصورة الخبر وجعلها خبراً معنى لإنشاء الدعاء قياساً على الحمد أبطل بأن الأخبار بثبوت الحمد يستلزم حمداً والأخبار بثبوت الدعاء لا يستلزم الدعاء‏.‏ ولما كان لآله وصحبه نوع مشاركة في التوسط لمعاونتهم في التبليغ أشركهم معه فقال ‏(‏وعلى آله‏)‏ أصله عند سيبويه والبصريين وعليه اقتصر الكشاف وإليه مال الشاطبي إهل بدليل أهيل إذ التصغير يرد الأشياء إلى أصولها قلبت هاؤها همزة وهي ألفاً وعند الكسائي أول بدليل أويل وأيده الجوهري ونصره أبو شامة زاعماً أن الأول مجرد دعوى وأن لغة العرب تأباه وصححه في الإرتشاف، فإن قلت في الكشاف‏:‏ الهاء أبدلت ألفاً وظاهره أنه مذهب ثالث‏؟‏ قلت‏:‏ كلا إذ مراده كما قال بعض العظماء أبدلت الهاء همزة وهي ألفاً وبدل البدل بدل فرجع إلى الأول وخص استعماله بعد القلب أو مطلقاً بمن له شرف ورفعة من ذوي العقول أي ما نزل منزلتهم للإهتمام بشأنه فلا يرد النقض بنحو‏:‏ وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك ديناً كآل النبي أو ديناً كآل فرعون أشار إليه المحققون منهم البيضاوي وبه عرف أن قول البعض إنما قيل آل فرعون لتصورهم بصورة الأشراف أو لشرفه في قومه تكلف مستفنى عنه، نعم هو في التنزيل وارد على منهج التهكم كما بينه صاحب القاموس في شرح خطبة الكشاف على حد‏:‏ ‏{‏ذق إنك أنت العزيز الكريم‏}‏ على أن الاختصاص المذكور غالبي فقد سمع استعماله في غير ذي عقل لشرفه في جنسه كقوله في فرس ليس في العرب أفحل منه ولا أكثر نسلاً *صوت حصاناً كان من آل أعوجاً*

واختصاصه للإضافة لذي الشرف لا ينافي التصغير لأن التصغير يرد للتعظيم وبفرض سواه فالتصغير في اللغة مع أن مراتب الحظر متفاوتة فيقبل التصغير وآل النبي من حرمت عليهم الزكاة وهو بنو هاشم عند الحنفية والمطلب أيضاً عند الشافعية قال البعض‏:‏ والمؤمنون وبنو تغلب فيشمل إناثهم لكن استدلالهم بخبر ‏"‏إن لكم في خمس الخمس‏"‏ يقتضي خلافه وقيل بنو غالب وقيل ذريته أو أزواجه وقيل أتباعه وقيل أتقياء أمته واختاره النووي كجمع في مقام الدعاء وجرى عليه الدواني فقال إذا أطلق في المتعارف شمل الصحب والتابعين لهم بإحسان‏.‏ فإن قلت‏:‏ هل لإتيانه بلفظ على هنا من فائدة‏؟‏ قلت‏:‏ نعم وهي الإشارة ‏'‏لى مخالفة الرافضة والشيعة فإنهم مطبقون على كراهة الفصل بين ‏[‏ص 18‏]‏ النبي وآله بلفظ على وينقلون في ذلك حديثاً كما بينه المحقق الدواني وصدر الأفاضل الشيرازي وغيرهما ‏(‏وصحبه‏)‏ اسم جمع لصاحب بمعنى الصحابي، وهو لغة من صحب غيره بما ينطلق عليه اسم الصحبة، واصطلاحاً من لقي المصطفى يقظة بعد النبوة وقبل وفاته مسلماً وإن لم يره لعارض كعمى وإن لم يره المصطفى ولو بلا مكالمة ولا مجالسة ككونه ماراً ولو بغير جهته ولو لم يشعر كل بالآخر أو تباعدوا أو كان أحدهما بشاهق والآخر بوهدة أو بئر أو حال بينهما مانع مرور كنهر يحوج إلى سباحة أو ستر رقيق لا يمنع الرؤية أو ماء صاف كذلك إن عده العرف لقاء في الكل على الأقرب من تردد وإسهاب فيه وكذا لو تلاقيا نائمين أو كان غير النبي مجنوناً محكوماً بإسلامه على ما بحث وقيل لا وقيل إلا زمن إفاقته وذلك لشرف منزلة النبي فيظهر أثر نوره في قلب ملاقيه وعلى جوارحه فشمل التعريف غير المميز وهو ما جرى عليه جمع منهم البرماوي لكن اختير اشتراط التمييز وعلى عدمه دخل من حنكه النبي صلى الله عليه وسلم كعبد الله بن الحارثأو مسح وجهه كعبد الله بن ثعلبة أو رآه في مهده كمحمد بن أبي بكر والجن كوفد نصيبين واستشكال ابن الأثير بأنه لا تعبد لنا بالرواية عنهم رده الحافظ ابن حجر والأنبياء الذين اجتمعوا به ليلة الإسراء والملائكة الذين اجتمعوا به فيها أو غيرها وبه جزم بعضهم لكن جزم البلقيني بخروج النبي والملك ككل من رآه تلك الليلة ممن لم يبرز لعالم الدنيا وتبعه الكمال المقدسي موجهاً بأن المراد الاجتماع المتعارف لا ما وقع خرقاً للعادة وأيده بعض المحققين بأنه المتبادر عرفاً من لفظ اجتمع أو لقي ومن هذا البيان انكشف ضعف جزم الذهبي باستثناء عيسى وإدخاله في التعريف وما احتج به من اختصاصه عن بقية الأنبياء برفعه حياً ونزوله الأرض وحكمه بشرعه لا ينهض حجة له عند التأمل وعدم الاعتداد بالرؤية الواقعة خرقاً للعادة يفيد أنه رأى بدنه الشريف فقط كرامة له بفرض وقوعه غير صحابي وإثبات ابن عبد البر الصحبة لمن أسلم في حياته ولم يره شاذ ودخل من رآه بعد البعثة وقبل الأمر بالدعوة كورقة بخلاف من رآه قبل البعثة وإن آمن بأنه سيبعث كما في شرح العباب وغيره ومن لقيه مؤمناً بغيره من أهل الكتاب كما صرح به الحافظ ابن حجر في الإصابة تبعاً لما نقله ابن الأثير وغيره عن الإمام البخاري وغيره وعبارته في ‏"‏أسد الغابة‏"‏ قال البخاري من صحب رسول الله أو رآه من المؤمنين فهو من أصحابه ووقع لبعضهم في هذا المقام من الخيالات والأوهام ما كنا أومأنا أولاً إلى شيء مما يدفعه فغضب لذلك بعض من تمكن من قلبه داء الحسد والحمية وبلية المعصية للعصبية وانتصب لدفع الإيراد بما هو قادح في أصل مطلوبه ورام ترميمه وتتميمه بما عسى الفطرة السليمة المبرأة عن العصبية تكفي مؤونة رده لكنا مع ذلك تعرضنا لكشف حاله وتزييف مقاله في مؤلف مستقل‏.‏ ثم إن المؤلف أورد من صفاتهم ما يدل على حيازتهم قصب السبق في مضمار المآثر وتبرزهم على من سواهم في اقتناء المناقب والمفاخر فقال ‏(‏ليوث الغابة‏)‏ استعارة لفرط شجاعتهم يعني أنهم أدحضوا الباطل بالبأس الساحق والسيف الماحق فكانوا كالأسود الضارية التي ما أتت على شيء إلا جعلته كالرميم‏.‏ قال ابن عبد البر في خطبة الاستيعاب‏:‏ روى ابن القاسم عن مالك أن الصحب لما دخلوا الشام نظر إليهم رجل من أهل الكتاب فقال‏:‏ ما كان أصحاب عيسى ابن مريم الذين قطعوا بالسيوف والمناشير وصلبوا على الجذوع بأشد اجتهاداً من هؤلاء ومع ذلك كان عندهم للسلم والعفو موضع فلم يكن الواحد منهم ضراراً قهاراً دائماً بل كانوا كمتبوعهم حسبما يقتضيه المقام في مكان القهر على العفو وفي وقت السلم محض اللطف أشداء على الكفار رحماء بينهم يعفون عمن ظلمهم ويصلون من قطعهم ويعطون من حرمهم ويعينون على نوائب الدهر بطلاقة وجه وسماحة نفس وكف أذى وبذل ندى فهم كما قيل فيهم‏:‏

جبال الحجى أسد الوغا غصص العدا شموس العلا سحب الندا بالمواهب

والليوث جمع ليث وهو الأسد وخصه لأنه بمنزلة ملك الوحش وأشده شكيمة وأقواه نفساً وعزيمة وأعظمه شجاعة وبطشاً‏.‏ والغابة الأجمة من نحو قصب أو شجر ملتف تأوي إليه الأسود سميت غابة لأنها تغيب ما فيها يقال إنه ليث غابة وهو من ليوث الغابة قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز أننا في غابة أي رماح كثيرة كالشجر وزاد قوله ‏(‏وأسد عرينها‏)‏ دفعاً لتوهم عدم احتمال إرادة الحيوان المفترس بلفظ الليث إذ الليث أيضاً نوع من العنكبوت والأسد بضمتين ‏[‏ص 19‏]‏ أو بضم فسكون جمع أسد بفتحهما‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز استأسد عليه أي صار كالأسد في جراءته والعرين والعرينة مأواه الذي يألفه يقال ليث غابة وليث عرينة‏.‏ ومن كلامهم‏:‏ أشم العرين كالأسد في عرينه لا كالجمل الأنف الأنف في عرانه وهو العود الذي يجعل في برة أنف البختي ذكره الزمخشري‏.‏ وعلم مما تقرر أن تشبيهم بالأسد استعارة بالكناية وإثبات الغابة لهم استعارة تخييلية رشحها بذكر العرين ‏(‏هذا‏)‏ أي المؤلف الحاضر في العقل استحضر المعاني التي جمعها فيه على وجه الإجمال وأورد اسم الإشارة لبيانها وأسماء الإشارة قد تستعمل في الأمور المعقولة وإن كان وضعها للأمور المحسوسة المبصرة الحاضرة في مرأى المخاطب لكن لا بد من نكتة وهي هنا الإشارة إلى إتقانه هذه المعاني حتى صارت لكمال علمه بها كأنها مبصرة عنده ويقدر على الإشارة إليها ذكره العصام تلخيصاً من كلام الدواني وغيره ‏(‏كتاب‏)‏ أي مكتوب وتنوينه للتعظيم وهو في الأصل مصدر سمي به المكتوب على التوسع ثم غلب في العرف على حمع من الكلمات المستقلة بالتعيين المفردة بالتدوين‏.‏ وقال الحراني‏:‏ الكتاب من الكتب وهو وصل الشيء المنفصل بوصلة خفيفة من أصله كالخرز في الجلد يقد منه والخياطة في الثوب بشيء من جنسه ليكون أقرب لصورة اتصاله للأول فسمي به ما ألزمه الناس من الأحكام وما أثبت بالرقوم من الكلام ‏(‏أودعت‏)‏ أي صنت وحفظت ‏(‏فيه‏)‏ أي جعلته ظرفاً لصون الحديث وحفظه من أودعته مالاً دفعته إليه ليكون وديعة محفوظة عنده من الدعة وهي الراحة كأن به تحصل الراحة لطالب الفن بجمع ما هو مشتت في الأقطار متفرق في الكتب الكبار‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز أودعته سراً وأودع الوعاء مناعه وأودع كتابه كذا وأودع كلامه معنى حسناً قال‏:‏

استودع العلم قرطاساً فضيعه * فبئس مستودع العلم القراطيس

‏(‏من الكلم‏)‏ بفتح فكسر جمع كلمة كذلك من الكلم بفتح فسكون وهو التأثير المدرك بإحدى الحاستين السمع والبصر سمي به اللفظ لما مر‏.‏ قال الحراني‏:‏ والكلام إظهار ما في الباطن على الظاهر لمن يشهد ذلك الظاهر بكل نحو من أنحاء الإظهار انتهى‏.‏ وآثر الكلم على الكلمات لأنها جمع قلة والموضع موضع التكثير لا التقليل وعلى الكلام لأنه اسم جنس يقع على القليل والكثير وعرف بعض أهل الأصول الكلام بأنه المنتظم من الحروف المسموعة المتميزة وقال السيد وقد يزاد قيدان آخران فيقال المتواضع عليها إذا صدرت من قادر واحد ‏(‏النبوية‏)‏ أي المنسوبة إلى النبي ‏(‏ألوفاً‏)‏ بضم أوله جمع ألف وهو العدد المخصوص المعروف‏.‏ قال الراغب‏:‏ سمي به لكون الأعداد فيه مؤلفة فإن الأعداد آحاد وعشرات ومئات وألوف فإذا بلغت الألف فقد ائتلفت وما بعده يكون مكرراً قبل وعدته عشرة آلاف وتسع مئة وأربعة وثلاثون والمراد بالكلم الأحاديث المعروفة بالنبي المنسوبة إليه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ‏(‏ومن الحكم‏)‏ جمع حكمة وهي اسم لكل علم وعمل صالح وفي الكشاف هي الدليل الموضح للحق المزيل للشبهة وفي المفردات اسم لكل علم حسن وعمل صالح وهي بالعلم العملي أخص منها بالعلم النظري والحكمة من الله إظهار الفضائل المعقولة والمحسوسة ومن العباد معرفة ذلك بقدر طاقة البشر وعرفت أيضاً أنها العلم المشتمل على معرفته تعالى المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به والصد عن اتباع الهوى والباطل والحكيم من له ذلك، ولا يبلغ الحكمة إلا أحد رجلين مهذب في فهمه موفق في نظمه ساعده معلم ناصح وكفاية وعمر‏.‏ وأما الذي يصطفيه الله ففتح عليه أبواب الحكمة بفيض إلهي ويلقي إليه مقاليد جوده فيبلغه ذروة السعادة وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ‏(‏المصطفوية‏)‏ نسبة إلى المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أي المختار والإصطفاء افتعال من الصفوة وهي ما خلص اللطيف عن كثيفه ومكدره ذكره الحراني ‏(‏صنوفاً‏)‏ أي أنواعاً من الأحاديث فإنها متنوعة إلى أنواع كثيرة فمنها مواعظ وآداب ورقائق وأحكام وترغيب وترهيب وغير ذلك وفي الكتاب من كل منها لكنه لم يكثر من أحاديث الأحكام إكتفاء بكون معظم تأليف القوم فيها وتعبيره بالمصطفوية بالواو إنما يتخرج على خلاف ما عليه الجمهور فإن عندهم أن ألف

‏[‏ص 20‏]‏ المقصور إذا كان خامسة فصاعداً تحذف مطلقاً ولا تقلب سواء كانت أصلية نحو مصطفى أو للتأنيث نحو حباري أو لغير ذلك ‏(‏اقتصرت فيه على الأحاديث الوجيزة‏)‏ أي القصيرة فلم أتجاوزها إلى إيراد الطويلة أي غالباً‏.‏ قال في الصحاح‏:‏ قصر الشيء على الشيء لم يتجاوزه لغيره والإقتصار على الشيء الاكتفاء به‏.‏ وفي الأساس‏:‏ اقتصر على الشيء كف عنه وهو يقدر عليه وقصر عنه قصوراً عجز عنه يقال أقصر عن الصبا وأقصر عن الباطل‏.‏ والأحاديث قال في الكشاف‏:‏ يكون اسم جمع للحديث ومنه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون جمعاً للأحدوثة التي هي مثل الأضحوكة هي ما يتحدث به الناس تلهياً والمراد هنا الأول قال‏:‏ سميت أحاديث لأنه محدث بها عن الله ورسوله فيقال قال رسول الله كذا انتهى‏.‏ قال الكرماني‏:‏ والمراد بالحديث في عرف الشرع ما يضاف إلى النبي وكأنه لوحظ فيه مقابلة القرآن لأنه قديم وهذا حديث انتهى وفي شرح الألفية الحديث ويرادفه الخبر على الصحيح ما أضيف إلى النبي أو إلى الصحابي أو إلى دونه قولاً أو فعلاً أو تقريراً أو صفة‏.‏ ويعبر عن هذا بعلم الحديث رواية‏.‏ ويحد بأنه علم يشتمل على نقل ذلك، وموضوعه ذات النبي صلى الله عليه وسلم من حيث كونه نبياً، وغايته الفوز بسعادة الدارين، وأما علم الحديث دراية وهو المراد عند الإطلاق كما في الألفية فهو علم يعرف به حال الراوي والمروي من حيث القبول والرد اهـ‏.‏ والمراد هنا ما يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ولا مجال لإرادة غيره والوجيز القليل اللفظ الكثير المعنى ووجز اللفظ وجازة فهو وجيز وموجز أي قصير ‏(‏ولخصت فيه‏)‏ من التلخيص وهو تهذيب الشيء وتصفيته مما يمازجه في خلقته مما هو دونه وفي الصحاح هو التبين والشرح وفي النهاية هو التقريب والاقتصار، يقال لخصت القول أي اقتصرت فيه واختصرت منه ما يحتاج إليه ‏(‏من معادن‏)‏ جمع معدن بفتح فسكون فكسر اسم مكان ويراد به الحال فيه أيضاً ‏(‏الأثر‏)‏ بالتحريك أي المأثور أي المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم يقال أثرت الحديث أثراً أي نقلته والأثر بفتحين اسم منه وحديث مأثور أي نقله خلف عن سلف وسنن النبي آثاره كذا في مختار الصحاح‏.‏ وقال الزمخشري‏:‏ يقال وجدت ذلك في الأثر أي في السنة وفلان من جملة الآثار وحديث مأثور يأثره أي يرويه قرن عن قرن ومنه التليد المأثور للقديم المتوارث كابراً عن كابر، وفي شرح الألفية‏:‏ الأثر بفتح الهمزة والمثلثة هو الأحاديث مرفوعة أو موقوفة‏.‏ وقصره بعض الفقهاء على الموقوف ‏(‏إبريزه‏)‏ أي خالصه وأحسنه والإبريز كما في التهذيب بكسر الهمزة والراء وسكون الموحدة التحتية بينهما‏:‏ الذهب الخالص يقال ذهب إبريز وإبريزي بكسرهما خالص شبه أصول الحديث بالمعادن وما أخذه منها بالذهب الخالص وجمعه لها بالتلخيص فهو كناية عن كونه غاص على الأحاديث العزيزة البليغة المعدودة من جوامع الكلم واستخرجها من أماكنها ومكامنها وهذبها ورتبها بكلفة ومشقة كما يقاسيه من يستخرج الذهب من معدنه الذي خلق فيه، فشبه ما لخصه مما انتزعه من بطون الدفاتر الحديثية المتشعبة المنتشرة بالذهب المعدني المستخرج من البقاع التي خلق فيها بجامع أن كلاً منهما قد ارتقى في النفاسة إلى الغابة التي لا ترتقي وبرز تبريزاً فاق أصحابه عقلاً وشجاعة‏.‏ كذا في القاموس وفي الأساس‏:‏ ذهب إبريز خالص وتقول ميز الخبيث من الإبريز والناكصين من أولى التبريز ‏(‏وبالغت‏)‏ أي تناهيت في الإجتهاد‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ تبالغ فيه المرض والهم إذا تناهى ‏(‏في تحرير التخريج‏)‏ أي تهذيب المروي وتخليصه‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز حرر الكتاب حسنه وخلصه بإقامة حروفه وإصلاح سقطه والتخريج من خرج العمل تخريجاً واخترجه بمعنى استخرجه‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز خرج فلان في العلم والصناعة خروجاً إذا نبغ وخرجه واخترجه بمعنى استخرجه وخرج الغلام لوجه ترك بعضه غير مكتوب وإذا كتبت الكتاب فتركت مواضع الفصول والأبواب فهو كتاب مخرج وخرج الكتاب جعله ضروباً مختلفة والإخراج والاستخراج الاستنباط بمعنى اجتهدت في تهذيب عزو الأحاديث إلى مخرجيها من أئمة الحديث من الجوامع والسنن والمسانيد فلا أعزو إلى شيء منها إلا بعد التفتيش عن حاله وحال مخرجه ولا أكتفي بعزوه إلى من ليس من أهله وإن جل كعظماء المفسرين‏.‏ قال ابن الكمال‏:‏ كتب التفسير

‏[‏ص 21‏]‏ مشحونة بالأحاديث الموضوعة وكأكابر الفقهاء في الصدر الأول من أتباع المجتهدين لم يعتنوا بضبط التخريج وتمييز الصحيح من غيره فوقعوا في الجزم بنسبة أحاديث كثيرة إلى النبي وفرعوا عليها كثيراً من الأحكام مع ضعفها بل ربما دخل عليهم الموضوع، وممن عدت عليه في هذا الباب هفوات وحفظت عليه غلطات الأسد بن الأسد الكرار الفرار الذي أجمع على على جلالته الموافق والمخالف وطار صيته في المشرقين والمغربين الأستاذ الأعظم إمام الحرمين وتبعه عليها معمار القواعد دهقان المعاقل والمعاقد الذي اعترف بإمته العام والخاص مولانا حجة الإسلام في كثير من عظماء المذاهب الأربعة وهذا لا يقدح في جلالتهم بل ولا في اجتهاد المجتهدين إذ ليس من شرط المجتهد الإحاطة بحال كل حديث في الدنيا‏.‏ قال الحافظ الزين العراقي في خطبة تخريجه الكبير للإحياء‏:‏ عادة المتقدمين السكوت عما أوردوا من الأحاديث في تصانيفهم وعدم بيان من خرجه وبيان الصحيح من الضعيف إلا نادراً وإن كانوا من أئمة الحديث حتى جاء النووي فبين‏.‏ وقصد الأولين أن لا يغفل الناس النظر في كل علم في مظنته ولهذا مشى الرافعي على طريقة الفقهاء مع كونه أعلم بالحديث من النووي‏.‏ إلى هنا كلامه ‏(‏فتركت القشر‏)‏ بكسر القاف ‏(‏وأخذت اللباب‏)‏ أي تجنبت الأخبار التي حكم عليها النقاد بالوضع أو ما قاربه بما اشتدت نكارته وقويت الريبة فيه المكنى عنه بالقشر وأتيت بالصحيح والحسن لذاته أو لغيره وما لم يشتد ضعفه المكنى عنه باللباب‏.‏ والترك‏:‏ أن لا يتعرض للأمر حساً أو معنى والقشر واحد القشور والقشرة أخص منه ومنه قشر العود وغيره نزعه عنه قشره والأخذ حوز الشي وتحصيله‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز جاء بالجواب المقشر‏.‏ واللباب بالضم الخالص ولب كل شيء خالصه وأخذ لبابه خالصه ورأيته بلب اللوز بكسره ويستخرج لبه ‏(‏وصنته‏)‏ أي هذا الجامع يعني حفظته يقال صان الرجل عرضه من الدنس فهو صين والتصاون خلاف الابتذال وفلان يصون عرضه صون الربط وحب مصون وصنت الثوب من الدنس والثوب في صوانة والترس في صوانها ومصوانها ومصانيها وهذا ثوب صينة لا ثوب بذلة وهو يتصون من العجائب ومن المجاز فرس ذو صون وابتذال وهو يصون خبزه إذا ادخر منه ذخيرة‏.‏ ذكره الزمخشري ‏(‏عما‏)‏ أي عن إيراد حديث ‏(‏تفرد به‏)‏ أي بروايته راو ‏(‏وضاع‏)‏ للحدبث على النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏أو كذاب‏)‏ وإن لم يثبت عنه خصوص الوضع أي اتهمه جهابذة الأثر بوضع الحديث على النبي صلى الله عليه وسلم أو الكذب وصيغة المبالغة هنا غير مرادة إذ غرضه صونه حتى عمن لم يعهد عليه سوى وضع حديث واحد أو كذب ولو في لفظة واحدة أما إذا لم ينفرد بأن شاركه في روايته غيره فلا يتحاشى المؤلف عن إيراده لاعتضاده‏.‏ ثم إن ما ذكره من صونه عن ذلك غالبي أو ادعائي و إلا فكثيراً ما وقع له أنهلم يصرف إلى النقد الإهتمام فسقط فما التزم الصون عنه في هذا المقام كما ستراه موضحاً في مواضعه لكن العصمة لغير الأنبياء متعذرة والغفلة على البشر شاملة منتشرة وقد أعطى الحفظ حقه وأدى من تأدية الفرض مستحقه فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض‏.‏ والكتاب مع ذلك من أشرف الكتب مرتبة وأسماها منقبة والذنب الواحد إو المتعدد مع القلة لايهجر لأجله الحبيب والروض النضير لا يترك بمحل قبر‏.‏ قال الراغب وغيره‏:‏ ليس يجب أن نحكم بفساد كتاب لخطأ ما وقع فيه من صاحبه كصنع العامي إذا وجدوا من أخطأ في مسألة حكموا على صنعته بالفساد ودأبهم أن يعتبروا الصناعة بالصانع خلاف ما قال علي كرم الله وجهه‏:‏ ‏"‏الحق لا يعرف بالرجال اعرف الحق تعرف أهله‏"‏ وليس يدرون أن الصناعة على شيء روحاني والمتعاطي لها يباشرها بمجسم وطبع لا يفارقهما العجز فهو خليق بوقوع الخطأ منه اهـ‏.‏ قال المؤلف كغيره‏:‏ والموضوع ليس في الحقيقة بحديث اصطلاحاً بل بزعم واضعه، وسبب الوضع نسيان الراوي لما رواه فيذكر غيره ظاناً أنه المروي أو غلطة بأن سبق لسانه إلى غير ما رواه أو يضع مكانه مما يظن أنه يؤدي معناه أو افتراء كوضع الزنادقة أحاديث تخالف المعقول تنفيراً للعقلاء عن شريعته المطهرة أو للترغيب في أعمال البر جهلاً كبعض الصوفية أو غير ذلك ممن هو مبين في علوم الحدث ‏(‏ففاق بذلك‏)‏ أي بسبب صونه عما ذكر مع تحرير

‏[‏ص 22‏]‏ تخريجه ‏(‏الكتب المؤلفة في هذا النوع‏)‏ أي علاهم في الحسن لتميزه علها بجودة التهذيب والرصانة وكمال التنقيح والصيانة، قال الزمخشري‏:‏ يقال فاق قومه فضلهم ورجحهم‏.‏ وقال الراغب‏:‏ يقال فاق فلان غيره يفوقه علاه وهو من لفظ فوق المستعملة للفضيلة فإنه يقال باعتبار الفضيلة الدنيوية نحو ‏{‏ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات‏}‏ والأخروية نحو ‏{‏والذين اتقوا فوقهم‏}‏ ويقال باعتبار القهر والغلبة قال السيد‏:‏ ‏"‏والتأليف جمع أشياء متناسبة كما يرشد إليه اشتقاقه من الألف وأصله قول الراغب‏:‏ المؤلف ما جمع من أجزاء مختلفة وترتب ترتيباً قدم فيه ما حقه أن يقدم وأخر ما حقه أن يؤخر والألفة اجتماع مع الئتام اهـ‏"‏ والنوع من الشيء الصنف وتنوع صار أنواعاً ونوعه تنويعاً جعله أنواعاً متنوعة والكتب المؤلفة في هذا النوع ‏(‏كالفائق‏)‏ كما يأتي ذكره ‏(‏والشهاب‏)‏ بكسر أوله للقاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي المصري قال السلفي كان من الثقات الأثبات شافعي المذهب والاعتقاد، والظاهر أن مراده بالفائق كتاب‏:‏ ‏"‏الفائق في اللفظ الرائق تأليف ابن غنام‏"‏ جمع فيه أحاديث من الرقائق على هذا النحو‏.‏ وأما ما يتبادر إلى بعض إلى بعض الأذهان من إرادة فاق الزمخشري فلا يستقيم إذ المشار إليه بهذا النوع هو إيراد متون الأحاديث مجردة عن الأسانيد مرتبة على الحروف، وفائق الزمخشري ليس إلا في شرح الألفاظ اللغوية والكلمات العربية الواقعة في الحديث ولسان الصدر الأول من الصحب والتابعين الموثوق بعربيتهم المحتج باستعمالهم وبينه وبين هذا الكتاب بون ‏(‏وحوى‏)‏ أي جمع وضم يقال حويت الشيء أجوبة جمعته وضممته وتحوي الشيء تجمع قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز احتوى على الشيء استولى عليه ‏(‏من نفائس الصناعة الحديثية‏)‏ أي المنسوبة للمحدثين ‏(‏ما لم يودع‏)‏ بالبناء للمفعول ‏(‏قبله‏)‏ أي قبل تأليفه ‏(‏في كتاب‏)‏ فإن ذينك وإن كانا أوردا المتون كما ذكر لكنهما لم يعقبا بالرموز للمخرجين ولا رتبا على الحروف وها من قبيل المبالغة في المدحة على من الترغيبات في التأليفات فإن الديلمي رتب الفردوس على حروف المعجم كهذا الترتيب ويأتي بمتن الحديث أولاً مجرداًثم يضع عليه علامة مخرجه بجانبه بالحروف على نحو من اصطلاح المصنف رحمه الله تعالى في رموزه من كون خ للبخاري وم لمسلم وهكذا لكن بينهما تخالف في البعض فالحروف التي رمز بها الديلمي عشرون والمؤلف ثلاثون وهو إنما رسم كتابه على ذلك فخفت المؤنة عليه في تأليفه هذا الكتاب فانتهب منه ما اختار واغترف اغتراف الظمان من اليم الزخار وأعانه على ذلك أيضاً سديد القوس للحافظ ابن حجر والنفائس جمع نفيسة لا نفيس لأن فعائل إنما يكون جمعاً لفعيلة والصناعة في عرف الخاصة علم يتعلق بكيفية العمل ويكون المقصود منه ذلك العمل سواء حصل بمزوالة عمل أم لا وفي عرف العامة يخص بما لم يحصل إلا بمزاولة والوجه في التسمية على التعريفين أن حقيقة الصناعة صفة نفسانية راسخة يقتدر بها على استعمال موضوعات ما نحو غرض من الأغراض على وجه البصيرة بحسب الإمكان والظاهر أن المراد بالصناعة هنا متعارف العامة وأن ذكر الصناعات لمشابهتها العلوم في أن تفاضل أصحابها بحسب الدقائق دون الأصول ذكره كله الشريف الجرجاني قال وقد يقال كل علم مارسه رجل وصار حرفة له سمي صناعة له تعلق بعمل أم لا انتهى‏.‏ قال في الكشاف‏:‏ كل عامل لا يسمى صانعاً ولا كل عمل صناعة حتى يتكرر من ويتدرب وينسب إليه وقال الأكمل الحق أن كل علم مارسه الإنسان سواء كان استدلالياً أو غيره حتى صار كالحرفة له يسمى صنعة ووصفها بالنفاسة إيذاناً بخطر قدرها وعلو شأنها وههنا نكتة سرية وهو أنه مدح الجامع أولاً بتهذيب تخريجه وصونه عن الأخبار الموضوعة‏.‏ ثم وصفه ثانياً بتفرده بحسن الصنعة ونفاسة الأسلوب في بابه إشعاراً بأنه قد أحاط به الشرف من كل جهة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، والقبل كل ما يتقدم الإنسان بالذات أو الزمان ‏(‏ورتبته‏)‏ أي الكتاب من الترتيب‏.‏ قال الشريف‏:‏ وهو جعل الأشياء بحيث يطلق عليها اسم الواحد ويكون لبعضها نسبة إلى بعض بالتقدم والتأخر في الرتبة العقلية فهو أخص من التأليف‏:‏ إذ هو ضم الأشياء مؤتلفة سواء كانت مترتبة الوضع أم لا ‏(‏على حروف المعجم‏)‏ أي حروف الخط المعجم كمسجد الجامع، وهي الحروف المقطعة التي يختص أكثرها بالنقط، سميت

‏[‏ص 23‏]‏ معجمة لأنها أعجمية لا بيان لها أو لأنها أعجمت على الناظر في معناها ذكره ابن عربي‏.‏ وقال غيره‏:‏ المعجم إما اسم مفعول صفة لمحذوف‏:‏ أي حروف الخط الذي وقع عليه الإعجام وهو النقط، أو مصدر ميمي كالإعجام وعليهما فإطلاق حروف المعجم على الكل من قبيل التغليب وجوز التفتازاني أن يكون معنى الإعجام إزالة العجمة بالنقط، واعترضه الدماميني بأنه إنما يتم إذا كان جعل الهمزة للسلب مقيساً أو مسموعاً في هذه الكلمة وقيل معناه حروف الإعجام أي إزالة العجمة وذلك أن ينقط أكثرها والحرف يذكر ويؤنث وأصله طرف الشيء الذي لا يوجد منفرداً وطرف القول الذي لا يفهم وحده‏.‏ وأحق ما يسمى حروفاًإذا نظر إلى صورها ووقوعها أجزاء من الكلم ولم فهم لها دلالة فتضاف إلى مثلها جزءاً من كلمة مفهومة فتسمى عند ذلك حروفاً وعند النطق بها كهذا ألف لام ميم يقال فيها أسماء وإن كانت غير معلومة الدلالة كحروف ا ب ت ث فإنها كلها أسماء على ما فهمه الخليل وأنها إنما تسمى حروفاً عندما تكون أجزاء كلمة محركة للإبتداء أو مسكنة للوقف والانتهاء ذكره الحراني ‏.‏